لما اشتهر جميل في حب بثينة توعده أهلها، فكان يأتيها سرا فجمعوا له جميعا يرصدونه
فقالت بثينة : يا جميل ، احذر القوم، فاستخفى وقال في ذلك

ولو أن ألفا دون بثينة كلهم = غيارى وكل حارب مزمع قتلي؟
لحاولتها ، إما نهارا مجاهرا = وإما سرى ليل وإن قطعوا رجلي

فالتقى جميل بثينة وكثير عزة فشكا كل واحد منهما إلى صاحبه أنه محصور لا يقدر أن يزور
فقال جميل لكثير : أنا رسولك إلى عزة
فقال كثير: فأتهم فأنشدهم ثلاث نوق سود مررن بالقاع ثم احفظ ما يقال لك
قال فأتاهم جميل ينشدهم فقالت له جاريتها: لقد رأينا ثلاثا سودا مررن ، عهدي بهن تحت الطلحة فانصرف حتى أتى كثير فأخبره، فأقاما، فلما نصف الليل أتيا الطلحة فإذا عزة وصاحبة لها، فتحدثا طويلا، وجعل كثير يرى عزة تنظر إلى جميل وكان جميل جميلا وكان كثير دميما فغضب كثير وغار، وقال لجميل: انطلق بنا قبل أن نصبح، فانطلقا
ثم قال كثير لجميل: متى عهدك ببثينة ؟ قال في أول الصيف ، وقعت سحابة بأسفل وادي الدوم فخرجت معها جارية ترخص ثيابا
قال ، فخرج كثير حتى أناخ بآل بثينة
فقالوا: يا كثير حدثنا كيف قلت لزوج عزة حين أمرها بسبك
قال كثير: خرجنا نرمي الجمار فوجدني قد اجتمع الناس بي فطالعني زوجها، فسمع مني إنشادا
فقال لعزة: اشتميه
فقالت: ما أراك إلا تريد أن تفضحني فألح وحلف عليها

فقالت مكرهة : المنشد يعض بظر أمه: فقلت
هنيئا مريئا غير داء مخامر = لعزة من أعراضنا ما استحلت

فقالت بثينة: أحسنت يا كثير، وقلت أبياتا لعزة أعاتبها فيهن وأنشدتها

فقلت لها يا عز أرسل صاحبي = على بعد دار والموكل مرسل
بأن تجعلي بيني وبينك موعدا = وأن تأمريني بالذي فيه أفعل
وآخر عهد منك يوم لقيتكم = بأسفل وادي الدوم والثوب يغسل

فقالت بثينة: يا جارية، أبغنا خطبا من الروضات لنذبح لكثير غريضا من البهم: فراح إلى جميل فأخبره
ثم إن بثينة قالت لبنات خالتها، وكانت اطمأنت إليهن وتطلعهن على حديثها: أخرجن بنا إلى الدومات فإن جميلا مع كثير، وقد وعدته، فخرج جميل وكثير حتى أتيا الدومات، وجاءت بثينة وصواحبها، فما برحن حتى برق الصبح، وكان كثير يقول: ما رأيت مجلسا قط أحسن من ذلك المجلس، ولا فهما أحسن من فهم أحدهما من صاحبه