كانوا خمسة من كبار السن يتجالسون في شمس الصباح كل يوم
كنت امر من امامهم كل صباح كنت طالبا ثم موظفا
كان يستندون علي جدار قديم متهالك وبساط قديم ممد تحتهم يرتاحون من متاعب الدنيا
كانوا يتحادثون الي المارة يوجهون هذا وينهون هذا
وبعد مدة من الذمن نقص منهم واحد ولكنهم كعادتهم بالاجتماع مع بعضهم

وبعد انقضاء السنين المريرة كنت ذاهب بالسيارة بطريقي ورايت احدهم في
وسط الطريق ينتظر سيارة اجرة تقله فاخذتني الشهامة ووقفت بجانبه
فاسالته اين المضي يا عماه فقال في صوت متقطع الي المستشفي
فحماته بسيارتي الي مبتغاه وقد ابتهل بالدعاء الي بكل قول بديع والتوفيق
سالته اليس انت من مجموعة كبار السن الذين يستندون الي ذلك الجدار فقال نعم
فقلت له اذا اين اصحابك ؟
نظر الي ببرود ونظرة خاطفة ثم قال بصوت مريض وضعيف ذهبوا الي الجهة الثانية من الجدار
فلم ابلي بقوله فوضعته بجوار المستشفي وذهبت الي حال سبيلي
بعد انقضاء الشهر ذهبت كالعادة الي طريقي فرايت الجدار والبساط القديم ممدود
واطفال صغار يتاقذفون الكرة بينهم فوقفت بسيارتي وذهبت اليهم
فقلت اين من كانوا هنا فضحكوا وتهامسوا ثم ذهبوا ودعوني بحيرتي

نظرت يمينا وشمالا وتتذكرت مرور السنين وجلست علي البساط القديم الممد
وسندت ظهري الي ذلك الجدار ورايت الشارع وكانني لاول مرة اراه في حياتي
وانا كل يوم امر به ولم الاحظ ذلك رايت وجوه الناس لاول مرة من هم فرح ومن هو
حزين ومن هو متكدر ومن هو غاضب
اغمضت عيني فتخيلت خمسة رجال يتهامسون حولي واشباح وجوهم شاخصة الي
ففتحت عيني ونهضت مستعجلا ابحث عن من يجلس علي هذا البساط
فتذكرت ذلك الشيخ الذي ذهبت به الي المستشفي ولم اره بعدها وقد سالته اين
اصاحبه فقال انهم انتقلوا الي خلف الجدار

فرايت حجرا كبيرا جنب الجدار فرفعت رجلي اليه لاري ما خلف الجدار
فرايت ارضا مربعة كبيرة قفارا يتخللها شهود قبور لامعالم ولا اسماء لها
فنزلت من فوق الحجر الكبير وقد انحدرت دمعتي وقلت
ان لله وانا له راجعون

ابو حنون