قصة في رسالة
مجدي .. خرج من السجن الصغير إلي السجن الكبير!

نفس الشخص الذي كان بالأمس يثير الفزع والرعب في قلوب الناس اليوم اصبح انسان آخر يخاف الجميع.. وجعل من مسكنه شخصا جديدا يعيش فيه مع زوجته وابنه الصغير ‘يوسف’ بدون أي مورد للرزق..
منذ سنوات عديدة مضت.. كان مجدي عبدالتواب عبدالرحيم.. لايعرف إلا طريق الشيطان.. صناعة المشاكل والمشاجرات بالنسبة له هوايه.. حياته كانت مقسمة مابين العمل (خراط المونيوم) والمشاغبات وأصدقاء السوء الذين كانوا يرافقونه طيلة النهار والليل..
هكذا كان يعيش مجدي .. حتي قرر مع أصدقائه الانتقام من سكان احد شوارع منطقة أوسيم.. بعدما تعرض صديق لهم للضرب.. ذات يوم .. كان مجدي ورفاقه يمسكون بأسلحة.. ويثيرون الزعر والرعب بين سكان المنطقة وحولوا المكان إلي ساحة عراك.. مع أصحاب المحلات الذين حاولوا انقاذ محلاتهم من الخراب والضياع.. وأغلقوها بسرعة!.
وخلال دقائق قليلة.. كانت المعركة قد حسمت لصالح مجدي ورفاقه .. بعد ان حطموا المحلات.. وأصابوا بعض أصحابها بأصابات خطيرة .. واستولوا علي بعض بضائعها.. ووزعت الغنائم.. واذيع الخبر بسرعة الصاروخ.. وأصبحت المعركة حديث الكثير وبسرعة تم القبض علي كل أفراد العصابة.. وكان بينهم مجدي الذي كان مشهورا بكثرة مشاكله..

مفارقة عجيبة !

منذ أيامه قليلة .. ألتقينا بمجدي 42 عاما.. أتي إلينا نادما يريد ان يحكي ذكرياته الاليمة الاجرام وكيف غير السجن من احلامه وصار انسانا آخر بعد خروجه.. ولماذا تخلي عنه الجميع.. وتركوه وحيدا.. حتي العمل تخلوا عنه ورفضوا مساعدته في إيجاد أي عمل.. هكذا اضاف مجدي قائلا.. هل يمكن ان يحاسب إنسان مرتان علي جريمة ارتكبها؟!.. فأنا احاسب في لحظة اعيشها علي هذه الجريمة.. علي الرغم من قضاء عشر سنوات داخل أسوار السجن.. وخمس سنوات أخري مراقبة..
ويستطرد مجدي بعد هذا الحادث البشع.. وحكمت المحكمة علي بالسجن.. وعشت داخل اسواره .. حياة الحرمان والخوف من المجهول.. والعزلة عن الآخرين.. كان كل شيء داخل السجن يبدون بنظام يومي لايتغير.. وكانت عملتنا الوحيدة داخله هي السيجارة المصري.. التي تستطيع بها شراء أي شيء..أو أنهاء بعض الأمور داخل السجن.. وخلال هذه السنوات.. تنقلت بين خمس سجون مختلفة..
افتقدت داخل السجن ابني الذي مات حزنا علي خاصة عندما علم بالحكم الذي صدر ضدي وأمي التي عاشت بقية عمرها من أجل اسعادي بعد خروجي من السجن.. وفقدت كل اصدقائي.. ومرت الايام ببطء شديد.. حتي انتهت فترة العقوبة.. كنت بدأت مرحلة اخري.. أشد قسوة وعذاب بعد خروجي من السجن.

زواج وموت!

خرجت من السجن إنسان أخر.. ضعيف جبان.. يهاب من أي شيء.. وأخيرا قررت البعد عن المشاكل.. او حتي الاحتكاك بالناس خرجت من السجن إلي بيتي لاسجن فيه.. كانت امي هي الإنسان الوحيد الذي رعاني بعد خروجي من السجن مباشرة.. كانت تعمل ممرضة في مستشفي منشية البكري وتساعدني دائما.. واقنعتني بالزواج.. وزوجتني أرملة.. انجبت منها ‘يوسف’ عمره عام.. وهي الآن حامل في شهورها الاخيرة.. ليس هذا فقط بل استأجرت لي شقة ب ‘300’ جنيه كل شهر.. لكن علي الرغم من كل هذا كنت عاجز عن توفير أي متطلبات لنفسي أو اسرتي.. خاصة ان أصحاب العمل كانوا يطرونني من العمل.. بعد علمهم باني كنت مسجون.. ويقولون لي انت لاتستحق الرحمة او الشفقة.. كما ان نظرة الناس لي تتغير بعدما يعرفون انني سجين سابق.. وبدموع حزينة يضيف مجدي: لكن الامور كانت تزداد سوءا يوما بعد يوم خاصة بعدما توفت والدتي.. وتركتني وحدي بدون أي مورد رزق.. حتي معاشها لم احصل عليه حتي الآن.. وادارة مستشفي منشية البكري.. تؤكد لي ان اوراقها ضاعت نهائيا.. ولكن ما هو ذنبي.. هل اتحمل خطأ ادارة مستشفي أم يتحمله المسئولون..؟

ذنبهم إيه!

يسكت مجدي قليلا.. ودموعه مازالت تنهمر من عينيه ثم يقول: الحمد لله علي كل شيء.. وانا مازالت صابرا.. هل تكون نهايتي الموت جوعا.. خصوصا وان في رقبتي الآن.. زوجتي وابني يوسف الصغير.. والاخر الذي يتحرك بين احشاء امه.. ما ذنب هؤلاء ايضا! فهم يحاسبون ايضا بسبب جريمتي التي عوقبت ومازالت اعاقب عليها..
وبنظرة منكسرة يضيف مجدي : خلاص انا نسيت طريق الشيطان.. و’مش’ ناوي ‘ارجعله تاني’.. وكل ما أطلبه اي شغلانه شريفة.. أعيش منها بالحلال.. فهل نتحقق أمنيتي ام لا.. ام سأظل معدبا بقية حياتي.. ومعي زوجتي وابنائي.. ثم انهي كلامه قائلا : خلال انا تبت من زمان.. واخلصت النية.. ومش عاوز من المجتمع سوي السماح والمساعدة!
أصحاب

اخوكم قناص الانبار