خارج عالمنا الطبيعي ووسط كثير من المنازل ومن خلف الأبواب المغلقة هناك عوالم افتراضية مثيرة سواء على شبكة الانترنت أو عبر شبكات الهواتف المحمولة ووسط هذه الأجواء تنشأ وتنتهي العديد من روايات وحكايات الحب والأمل والخوف والكراهية وآلاف القصص الإنسانية التي تتشكل صورها واتجاهاتها في الفضاء الالكتروني مخلفة العديد من الذكريات التي لا يمكن أن تكون نهايتها سعيدة كما تعرضها الأفلام والمسلسلات.
"سارة" قصة من عشرات غيرها مشكلتها أن لا احد يعلم عن سرها الالكتروني الكبير سوى "مشاعل" صديقة العمر فهي الوحيدة التي تعرف لماذا وصل عدد تعقيباتها وكتاباتها في منتدى الكتروني واحد إلى أكثر من ثلاثة آلاف مشاركة في اقل من سنتين حدث أن كانتا أيضا آخر سنواتها في الجامعة. أما " سارة" فلا تملك تفسيرا لحالها وكيف وصلت في نهاية المطاف إلى هذا المستوى من التعلق بشاشة جهازها وهي التي كانت تحذر زميلاتها من متاهات الانترنت.
عرفت "سارة" بين زميلاتها منذ أيام الدراسة الثانوية بأنها فتاة واسعة الإطلاع ثم ظهرت شخصيتها في الجامعة أكثر نضجا كطالبة جادة ومثقفة ذات شخصية مستقلة وأداء دراسي متميز واستمرت حتى منتصف سنتها الجامعية الثانية حين بدأت تقضي وقتا أطول مع شبكة الانترنت ومنتدياتها الثقافية وهناك على صفحات منتدى حواري نخبوي التقت " الفارس" اشهر المحاورين الالكترونيين فكان أن أنقدح زناد وشرارة العاطفة الأولى تأثرا بمداخلاته وقيادته المتفردة للموضوعات والحوارات.
بدأت "سارة" في لفت انتباه "الفارس" بالمعارضة الذكية لاطروحاته واستعراض قدراتها الثقافية واختارت توقيع مشاركتها باسم رمزي ذي دلالة رومانسية ووقع تاريخي جذاب، وحصل المراد إذ وجدت "سارة" ذات مساء في بريدها الخاص رسالة رقيقة من الفارس محييا قلمها منوها بتميزها في الطرح والمشاكسة. ردت عليه شاكرة بعبارات منتقاة أخذت منها أكثر من ساعة وهي تعدل وتبدل وكان رده السريع مشحونا بكلمات يمكن تفسيرها على أكثر من وجه وكان أن اختارت "سارة" الوجه الذي تتمناه في شريك الحوار الالكتروني.
بعد حوالي ستة اشهر من المناورات تخللتها كتابات ورسائل خجولة وجريئة بين الطرفين ألحت عليه ذات مساء في مناقشة مسألة فكرية فطلب منها أن يتم الحوار على برنامج المحادثة الفورية (المسنجر) وبدأ فصل جديد من الحوار كانت هي فيه الأقل تحفظا في الحديث عن حياتها واهتماماتها.
لم تعد "سارة" تلك الشخصية الجادة كما كانت وتراجع مستوى اهتمامها بمحاضرتها، وبالتالي قلت ساعات القراءة الحرة التي كانت إحدى مهاراتها وهوايتها وبات همها الأوحد أن تتواجد ليليا على صفحات منتداها الالكتروني المفضل لتضيف موضوعا مثيرا أو تعقب على مشاركة ثم ترسل رسالة خاصة إلى "الفارس" طالبة رأيه ومشاركته ولما كانت رسائلها الالكترونية لا تجد ردا سريعا قررت أن ترسل له رقم هاتفها "الجوال" وبدا الفصل الثالث من قصتها الالكترونية.
وفي لحظة من لحظات الحيرة والقلق ومن باب "الفضفضة" أخذت "سارة" في تسريب بعض أجزاء قصتها إلى صديقتها الوفية "مشاعل" فكان أن سخرت منها ومن تعلقها بوهم الكتروني، ولكن "سارة" تعلقت بشخصية الشريك الالكتروني " الغامض" الذي لم يتطوع بالكثير من المعلومات عن نفسه وهو الأمر الذي حير "سارة" واشغلها. وذات مساء اتصلت على هاتفه فلم يرد فأرسلت عددا من الرسائل فلم يستجيب وبعد يومين جاءها رد "الفارس" الذي لم تتوقعه "سيدتي ابلغ من العمر خمسا وخمسين سنة متزوج ولدي أربعة أطفال وأعيش حياتي بهدوء.. أرجو ألا تتعلقي بوهم وعواطف الكترونية" لا املك لك شيئا يا "سارة" وهذه قصتك منى للقراء.
د. فايز بن عبد الله الشهري
جريدة الرياض
التصنيفات